1- الالتجاء إلى الله والتوكل عليه سبحانه
وأول ما يقضي على القلق، ويجلب السعادة والأمن والاطمئنان للإنسان هو الالتجاء إلى الله والتوكل عليه، قال تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}(الطلاق:2- 3) فالإيمان بالله الممتزج بالتقوى والعمل الصالح مع التحلي بالصبر والتواصي بالخلق الحميد والرضا بقضاء الله خيره وشره، يورث الإنسان بشاشة الروح، وحلاوة النفس، قال تعالى {ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون} (هود: 123) {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} (النحل: 97) فتقوى الله والإيمان به سبحانه، مع التوكل الحقيقي عليه يزيل عن الإنسان أسباب التوتر ويدفع عنه القلق، يقول «ديل كارينجي» صاحب أكبر مجموعة من مؤلفات علم النفس عن أثر الإيمان والالتجاء إلى الله في علاج القلق «إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين كفيلان بأن يقهرا القلق والتوتر العصبي، وأن يشفيا هذه الأمراض» (5)، ويقول «الكسيس كاريل» الحائز على جائزة نوبل في الطب والجراحة، حول أثر الإيمان والتوكل على الله على صحة الإنسان النفسية «إن القلق والهموم يحدثان تغيرات عضوية، وأمراضًا حقيقية، وهي تضر بالصحة ضررًا بالغًا، وإن رجال الأعمال الذين لا يعرفون كيف يقون أنفسهم من الهموم يموتون في شرخ الشباب، ثم يتطرق إلى الذين يدينون بأحد الأديان ويصفهم بالبسطاء، ويقول كأن البسطاء يمكنهم أن يحسوا الله بنفس السهولة التي يحسون بها حرارة الشمس أو وجود صديق، إن الذين لا يكافحون القلق يموتون مبكرًا» (6) وكأنما الكسيس كاريل أراد هنا أن يصف الإيمان بالبساطة، لما يراه من سلوك المؤمنين من هدوء وسكينة وعدم المغالاة في حياتهم الدينية، وأن هذا الإيمان أو البساطة، كما يقول هي التي تدفع القلق.
2- الصلاة
والصلاة عامل أساسي لوقاية الإنسان من القلق والتوتر عملا بقوله تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} (البقرة: 45)، ولنا في رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ، أعظم قدوة ونبراس فكان "صلى الله عليه وسلم" ، إذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة وقال لبلال رضي الله عنه «أرحنا بها يا بلال» (رواه الطبراني في الكبير)، فالصلاة منبع السكينة وراحة القلب، ذلك أن الإنسان أثناءها، يمر بلحظات من الطهر والنقاء، لأنه يقف بين يدي الله يناجيه، فيسمع لشكواه وهمومه، فيزيل ما يسبب شكواه، كما أن إقامة الصلاة في وقتها تحقق للإنسان السعادة العالية والمتعة الراقية، التي تجعلنا نستهين بآلام الحياة ومتاعبها، ولكن على المسلم أن يؤدي الصلاة في خشوع، هذا الخشوع الذي دعى اليه الخالق عز وجل بقوله تعالى {قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون} (المؤمنون:1- 2) هذه الصلاة الخاشعة التي تمد الإنسان بالطاقة الروحية وتوثق الصلة بالله عز وجل، وكثير من علماء النفس الغربيين، أصبحوا يعتبرون الصلاة، أهم أداة لبعث الطمأنينة في النفوس، ولكن أين هي من صلاة المسلم التي تقربه من الله، إذا ما أداها المسلم حقًا في خشوع وهدوء وسكينة ورضا وطمأنينة.
3- ذكر الله
كما من الأمور التي تدفع أسباب القلق والتوتر، حرص المسلم على ذكر الله سبحانه وتعالى، عملا بقوله جل جلاله {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: 28)، ذلك أنه إذا اطمأنت القلوب، وهدأت النفوس واستقرت زال عنها كل خوف وقلق، في حين أن الإنسان الذي يعرض عن ذكر الله هو قاسي القلب جاحد النعمة، بعيد عن الروحانيات، طغت عليه المادة، ولذلك فهو يعيش حياة شديدة القلق مليئة بالمنغصات، مصداقًا لقوله تعالى {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى} (طه: 124)، والضنك هو الشقاء الشديد.
4- الدعاء
إذا كان بعض العلماء النفسيين في الغرب أمثال الدكتور «رورهلفروج» يقول «إن من الأدوية الشافية للقلق إفضاء الشاكي بمتاعبه، إلى شخص يثق فيه، حيث إن تحدث المرضى عن متاعبهم بإسهاب وتفصيل، ينفي القلق من أذهانهم، فإن مجرد اجترار الشكوى فيه شفاء» وعلى هذا فإن الإفضاء بالمتاعب إلى شخص، أصبح من الوسائل العلاجية المعمول بها الآن، في كل المستشفيات النفسية والعصبية، كما ينصح الأطباء النفسيون باختيار الشخص الذي نفضي إليه، فليس كل شخص يمكن الإفضاء إليه، وإنما المهم الإحساس بأن هذا الشخص يسمع ويحس ويعين (7)، وقد يساور الإنسان الخوف أو القلق من الإنسان الذي يحكي له فيصيب نفسه بعض الشك الذي يجعله أشد قلقاَ من قبل، ولكن اللجوء إلى الله بالدعاء وإفراغ المتاعب النفسية والهموم إليه سبحانه، يعد خير وسيلة للوقاية من القلق، قال تعالى {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة: 186) {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} (غافر: 60)، ولنا في رسول الله "صلى الله عليه وسلم" خير قدوة وأعظم نبراس في ذلك، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا لحق به شيء من عوارض الحياة كالشدة والكرب والغضب وعسر المعيشة، لجأ إلى ربه بالتضرع والدعاء، ومن الأدعية التي علمنا إياها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لمنع الأرق والرؤى والكرب قوله عليه الصلاة والسلام «إذا فزع أحدكم في النوم، فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون فإنها لا تضره» (رواه أحمد والترمذي)، كما أن هناك أدعية بالفرج من هموم النفس فباب الله مفتوح على مصراعيه لكل صاحب هم، إذا ما توجه إلى الله بقلبه وكيانه، فعن الرسول "صلى الله عليه وسلم" قال «ما أصاب أحدًا قط هم ولا حزن، فقال اللهم إنما أنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسالك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو علمته أحدًا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا، فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟ قال بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها» (رواه أحمد في مسنده).
5- تلاوة القرآن
كما أن تلاوة القرآن الكريم تبعث في نفس المسلم الهدوء وسكينة النفس وطمأنينة القلب، قال تعالى {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} (فصلت: 44) {يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور} (يونس: 57) {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} (الإسراء: 82)، فهل نستطيع بعد وعد الله عز وجل بأن القرآن شفاء ورحمة وهدوء وطمأنينة للمؤمنين من أن نستفيد منه في الخلاص من القلق وما يدعو إلى التوتر ومشاعر اليأس والإحباط؟
أخيرًا
وفي النهاية نقول، إذا كنا اليوم قد افتقدنا عنصري الرضا والأمن النفسي، وهما جناحا السعادة والهناء، وإذا كنا نحيا دائما بين الحزن على ما فات والخوف مما هو آت، وإذا كنا لا نستطيع أن نقتلع الأحزان والخوف والقلق من نفوسنا بمجرد الرغبة في ذلك، فإننا نستطيع على الجانب الآخر أن نتمسك بالدين قولا وعملا ونتحلى بالخلق الكريم، ولنقرأ دائما قوله تعالى {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} (الحديد: 22 – 23).